محمد فتح التركي
العنوان: تقديس الثوابت والخضوع لها واستعاب المتغيرات والإجتهاد فيها
كل فار من الجبهة سيكون مدان أمام ضميره أولا ثم أمام التاريخ وأمام الأجيال القادمة... مدان من قبل نفسه لأنه يكون قد نال صفعة لسيره ضد هدفه. والثبات في الموضع والمحافظة على الجبهة يعد رمزا للشجاعة في كل دعوة كبرى. أما عبيد النفس الذين يدورون مع الريح أينما دارت فلا يمكن أن يفهموا هذا، وهم لا يريدون أصلا فهمه. أما الإنسان الحقيقي فما أن يدرك الحقيقة ويفهمها حتى يستحيل على المنافع والمصالح تقييد رجليه، ويستحيل على الخوف أن يقطع طريقه ويمنع سيره، ولا تستطيع الشهوات إغراءه وربطه بالدنيا... يعجزون عن هذا لأنه يتخطاهم جميعا وكأنه طائر أفرد جناحيه وطار. ص33
لكي يتم الوصول إلى نعمة وفضل الوفاق الإجتماعي فعلى القلوب أن تكون اجتماعية وتبتعد عن الأنانية وتكون مليئة بحب الإنسانية وبالشهامة والمروءة. وما لم يتم الإبتعاد عن الأنانية وعن عبادة النفس وإرجاع كل شيء وكل الوسائل والأهداف إلى سلطان النفس الذي هو شرك خفي والقول: إن لم يكن هذا العمل بيدي فلا أريده حتى وإن كان خيرا مادام يتم بيد الآخرين وليس بيدي.. إن لم يتم التخلص من مثل هذه العقلية التي ترى أن الحق فقط معها وتابع لها، والتي تكفر وتظلل وتجرم كل من يتبعها، وإن لم يتم تخليص القلوب من مثل هذا التعصب الأعمى فلا يمكن الوصول -حسبما أرى- إلى أي تفاهم أو اتفاق. ص64
...أما جيلنا الذي انتزع منه التوقير والإحترام لقيمنا المقدسة بوساطة النماذج المجنونة لما سموه بالخلق اللاديني والخلق الفوضوي والخلق الشيوعي،هذا الجيل أصبح ضحية للفكر وللروح المشوه، وغافلا عن تخبطه في فوضى مخيفة من المصطلحات والمناهج... لا ننسى أن ظهور التعصب في بعض الجماعات التي لم تصل إلى النضج الفكري والروحي المطلوب شيء واقعي وموجود، مما يؤدي إلى احتكاكات داخلية، وهذا يخدم الآمال الشريرة للأعداء دون قصد منها. ص66
الأمم التي تسعى لإدامة ذاتها وبقائها ولكنها تسلم نفسها إلى حضارة ومدنية الأمم الأخرى تشبه شجرة علقت عليها أثمار شجرة أخرى... أي تكون محل سخرية وذات مظهر خادع. ص80
لن تكون الأمم المتقدمة في التقنية وفي التكنولوجيا هي الأمم المسيطرة في المستقبل بل ستكون هذه السيطرة في يد الأمم التي تهتتم بمؤسسة الزواج وبمؤسسة العائلة والتي تنجح في السمو بأجيالها إلى مستوى الإنسانية الحق، أما الأمم التي لا تعير أهمية لمؤسسة الزواج والولادة ولا تهتم بتربية أجيالها حسب فلسفتها في التربية والتوجيه محكوم عليها بالتحلل والذوبان بين فكي الزمان الذي لا يرحم. ص83
من شروط تقدم الأمة وصول أفرادها إلى وحدة الهدف والغاية. فلا يمكن توقع تقدم صحيح وسليم في مجتمع إنقسم أفراده شيعا وطوائف متناحرة. ص89
الدين والعلم الحقيقي وجهان لعملة واحدة. فالدين يدل الإنسان على الطريق المستقييم الذي يوصله إلى السعادة. أما العلم الذي له هذف وغاية معلومة فهو مشعلة ومشكاة تضيء في ساحتها هذا الطريق. ص94
ليس الغريب من ابتعد عن وطنه وبيته وعن أصدقائه وأحبائه، بل هو الإنسان الذي لا يفهم المجتمع حاله ولا طريقه وسلوكه، ولا يفهم مبادئه العالية ولا أحلامه المستقبيلة ولا تضحياته بسعادته الشخصية في سبيل الآخرين. وهو الإنسان الذي كثيرا ما يقع في تناقض مع قوانين مجتمعه بسبب همته العالية فيتعرض للأذى وللوم وللإستنكار. ص103
كما توجد أماكن ونقاط حساسة ومهمة وحيوية في جسد الإنسان، كذلك توجد نقاط مهمة وحساسة في بنية الأمة كالعقيدة والحاسة التاريخية وثقافة وفكر الأمة. وكما يتهاوى الإنسان ويسقط أرضا إن تعرض موضع حيوي وحساس في جسده إلى ضربة، كذلك تسقط الأمة إن تعرضت إحدى هذه النقاط الحساسة لجرح بليغ. لذا فألف لعنة على من يتلاعب بعقيدة وتاريخ هذه الأمة. وألف لعنة على أعداء ماضي هذه الأمة. وألف لعنة على من خرب فكر وثقافة هذه الأمة. وألف لعنة على المتشائمين الذين يرون مستقبلنا مظلما ويوهموننا بذلك... ص104
عنوان المرجع: الموازين أو أضواء على الطريق لفتح الله كولن. دار النيل.
...............................................................................................................................................
إن شر ما ابتلي به المسلمون وكان سببا في ضمورهم الحضاري وتخلفهم الثقافي والفكري هو سوء فهمهم لفلسفة الحياة في الإسلام وازدواجيتها بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى. وبالتالي أخطأوا في تقديرهم لحقيقة الحياتين كما بينها القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ونتيجة لسوء الفهم والتقدير فقدوا ذلك التوازن الذي كان عليه السلف الصالح من هذه الأمة في أخذهم بالأسباب المادية والروحية وسعيهم للحياتين بوسطية واعتدال قائمة على أساس المقولة الأثرية: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.
وبين هذين الموقفين يعيش المتطرفون على طرفي نقيض: بين المادية الملحدة والرهبانية المميتة. فتتصارع الفكرتان، إذ يقوم لكل منهما أتباع وأشياع وتسخر لهما الوسائل الدعائية والمغريات السخية، وكل فريق بما لديهم فرحون، وفي تحقيق أهدافهم مستهترون. ص84،85
...وما أروع ما قاله أحد الدعاة الإسلاميين في تشخيص تلك الظاهرة (الطرقية التي انتشرت أيام الضمور الحضاري للمسلمين، وكذا بعض الأفكار التي يروج لها أعداء الإسلام كجماعة أهل الدعوة والتبليغ وجماعة التيئيس والإحباط...) قال: {عند التأمل وجدث الثراث الصوفي يشبه منجما مليئا بنفائس كثيرة وبتراب كثير وغثاء كثير، وإن الذي يدخل هذا المنجم قد يكون غبيا فلا يخرج إلا بقفف من التراب، وقد يكون ذكيا فيستطيع أن يستخرج بعض النفائس فينتفع بها.}.
فمن لكم -أيها الشباب المسلم- بمثل ذلك الذكاء الوقاد؟. ومن لكم بمثل تلك الذخيرة العلمية التي كانت للأسلاف والأجداد؟ فإن استغلال منجم الذهب يحتاج إلى كثير من الجهد الفكري والبدني والتزود بالآليات الضرورية لتأمين الحياة وضمان الإستغلال الأمثل. ص90
المرجع: كتاب صوت المنبر للشيخ سعيد محمد ابراهيم كعباش مكتبة التوفيق.